حدثني صاحبي أنه جاءه زميل له يحمل في يده مظروفًا، وعرض عليه مشكلة ذلك المظروف الذي وصفه بأنه يحمل المعاناة! ويحمل الهم! ويحمل العار أيضًا.
فتح المظروف وأخرج منه صورة وناولني إياها، يقول صاحبي: أمسكت بالصورة بين يدي وقلت: هل هذا أخوك؟ بل ولقرب الشبه كأنه هو لولا فارق العمر، فهز رأسه بالرفض، قلت له: ابن أخيك، ابن عمك؟ فكان يجيب وملامح الألم تبدو في تقاسيم وجهه، ودمعة سقطت فانتفضت من الداخل، وفهمت أن في الأمر شيئًا لم يخرج حتى الآن.
اعتدلت وسألته: إذن من هو، فأنا أعلم أنك لم تتزوج، وإلا قلت أنه ولدك؟ أشاح بوجهه ومسح عينيه التي انسابت منها الدموع ثم قال: هنا المصيبة، هنا الألم، هنا الجرح الذي لا يمكن أن يندمل مدى الحياة، هنا المعاناة والعناء..
قلت: قف! فلا بد أن هناك حديثًا لم يبث بعد.
قال: نعم! ثم صمت فترة قال بعدها: سافرت إلى الخارج بحثًا عن المتعة مع بعض أصدقاء الرذيلة ووصلنا إلى هناك فوجدنا ما كنا نريد من عبث ولهو وفسق، غرقنا في ذلك المستنقع الوحل، ثم عدنا بعد أن قضينا ما كنا نظن أنه متعة.
ومرت الشهور وإذا المظروف يصلني ومعه هذه الرسالة تبين فيها قصة هذه الصورة، ولعلك تلاحظ الشبه بيني وبين صاحب هذه الصورة، فهل أجد لديك الحل؟.
قال صاحبي: فما مني إلا أن ضربت بكفي على جبيني ودارت في ذاكرتي صور مفزعة وتولدت منها أسئلة كثيرة: ما هو مصير هذا الطفل؟ لمن ينتسب هذا الوالد؟ عندما يعلم أن الشرع يمنع أن ينتسب ابن الزنا.. كيف تكون حياته عندما يعلم عن هذه الحادثة بعد أن يكبر ويصبح رجلاً يبحث عن انتماء؟.
ماذا لو وضعت هذه النطفة في حلال ثم جاءه مثل هذا الولد الكثير الشبه به، وأصبح ابنًا بارًا يخدمه في حياته ويدعو له بعد مماته؟. أسئلة متعددة دارت خلال ثوان.
ثم التفتُ إليه وقلت له: بما أن وجود هذا الولد جاء نتيجة لممارسة خاطئة فليس لك فيه أي علاقة ولا نسب، ولا يجوز أن تنسبه إليك وكأنه لم يكن، ولا تُمت له بعلاقة ..
طأطأ رأسه وأخفى غصة تصعد وتهبط في حلقه.. ثم أدار لي ظهره وتركني..